جماهير بريس
بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب ، وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، مساء اليوم الخميس 20 غشت 2020 ، خطابا ساميا إلى الأمة .
وفي ما يلي نص الخطاب الملكي السامي :
” الحمد لله ، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه .
شعبي العزيز،
في مثل هذا اليوم من سنة 1953، اجتمعت إرادة جدنا ، جلالة الملك محمد الخامس ، ورفيقه في الكفاح ، والدنا جلالة الملك الحسن الثاني ، طيب الله ثراهما ، مع إرادة الشعب المغربي ، في ثورة تاريخية ، على رفض مخططات الاستعمار .
وقد تميزت هذه الثورة المجيدة ، بروح الوطنية الصادقة ، وبقيم التضحية والتضامن والوفاء ، من أجل حرية المغرب واستقلاله .
وتاريخ المغرب حافل بهذه المواقف والأحداث الخالدة ، التي تشهد على التلاحم القوي بين العرش و الشعب ، في مواجهة الصعاب .
وهي نفس القيم و المبادئ ، و نفس الالتزام و التعبئة الجماعية ، التي أبان عنها المغاربة اليوم ، خاصة في المرحلة الأولى من مواجهة وباء كوفيد-19 .
فقد تمكنا خلال هذه الفترة ، بفضل تضافر جهود الجميع ، من الحد من الانعكاسات الصحية لهذه الأزمة ، ومن تخفيف آثارها الاقتصادية والإجتماعية .
وفي هذا الإطار، قامت الدولة بتقديم الدعم لفئات واسعة من المواطنين ، وأطلقنا خطة طموحة و غير مسبوقة لإنعاش الإقتصاد ، ومشروعا كبيرا لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة .
وإننا نؤكد على ضرورة تنزيل هذه المشاريع ، على الوجه المطلوب ، وفي الآجال المحددة .
شعبي العزيز،
إننا لم نكسب بعد ، المعركة ضد هذا الوباء ، رغم الجهود المبذولة إنها فترة صعبة وغير مسبوقة بالنسبة للجميع .
صحيح أنه كان يضرب بنا المثل ، في احترام التدابير الوقائية التي اتخذناها ، وفي النتائج الحسنة التي حققناها ، خلال فترة الحجر الصحي .
وهو ما جعلنا نعتز بما قمنا به ، و خاصة من حيث انخفاض عدد الوفيات ، وقلة نسبة المصابين ، مقارنة بالعديد من الدول .
ولكن مع الأسف ، لاحظنا مع رفع الحجر الصحي ، أن عدد المصابين تضاعف بشكل غير منطقي ، لأسباب عديدة .
فهناك من يدعي بأن هذا الوباء غير موجود ، و هناك من يعتقد بأن رفع الحجر الصحي يعني انتهاء المرض ، وهناك عدد من الناس يتعاملون مع الوضع ، بنوع من التهاون والتراخي غير المقبول .
وهنا يجب التأكيد على أن هذا المرض موجود ، و من يقول عكس ذلك ، فهو لا يضر بنفسه فقط ، وإنما يضر أيضا بعائلته وبالآخرين .
و يجب التنبيه أيضا ، إلى أن بعض المرضى لا تظهر عليهم الأعراض ، إلا بعد 10 أيام أو أكثر، إضافة إلى أن العديد من المصابين هم بدون أعراض ، وهو ما يضاعف من خطر انتشار العدوى ، و يتطلب الاحتياط أكثر .
فهذا المرض لا يفرق بين سكان المدن والقرى ، و لا بين الأطفال و الشباب و المسنين .
والواقع أن نسبة كبيرة من الناس لا يحترمون التدابير الصحية الوقائية ، التي اتخذتها السلطات العمومية : مثل إستعمال الكمامات ، و احترام التباعد الاجتماعي ، و استعمال وسائل النظافة و التعقيم .
فلو كانت وسائل الوقاية غير موجودة في الأسواق ، أو غالية الثمن ، قد يمكن تفهم هذه التصرفات ، و لكن الدولة حرصت على توفير هذه المواد بكثرة ، و بأثمان جد معقولة .
كما أن الدولة قامت بدعم ثمن الكمامات ، و شجعت تصنيعها بالمغرب ، لتكون في متناول الجميع .
بل إن الأمر هنا ، يتعلق بسلوك غير وطني و لاتضامني ، لأن الوطنية تقتضي أولا ، الحرص على صحة وسلامة الآخرين ، ولأن التضامن لا يعني الدعم المادي فقط ، وإنما هو قبل كل شيء ، الإلتزام بعدم نشر العدوى بين الناس .
كما أن هذا السلوك يسير ضد جهود الدولة ، التي تمكنت و الحمد لله ، من دعم العديد من الأسر التي فقدت مصدر رزقها .
إلا أن هذا الدعم لا يمكن أن يدوم إلى ما لانهاية ، لأن الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانيات .
شعبي العزيز،
بموازاة مع تخفيف الحجر الصحي ، تم اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية ، قصد الحفاظ على سلامة المواطنين ، والحد من انتشار الوباء ، إلا أننا تفاجأنا بتزايد عدد الإصابات .
فتدهور الوضع الصحي ، الذي وصلنا إليه اليوم مؤسف ، و لا يبعث على التفاؤل ، ومن يقول لك ، شعبي العزيز، غير هذه الحقيقة ، فهو كاذب .
فبعد رفع الحجر الصحي ، تضاعف أكثر من ثلاث مرات ، عدد الإصابات المؤكدة ، والحالات الخطيرة ، وعدد الوفيات ، في وقت وجيز ، مقارنة بفترة الحجر .
كما أن معدل الإصابات ضمن العاملين في القطاع الطبي ، ارتفع من إصابة واحدة كل يوم ، خلال فترة الحجر الصحي ، ليصل مؤخرا ، إلى عشر إصابات .
وإذا استمرت هذه الأعداد في الارتفاع ، فإن اللجنة العلمية المختصة بوباء كوفيد-19 ، قد توصي بإعادة الحجر الصحي ، بل وزيادة تشديده .
وإذا دعت الضرورة لاتخاذ هذا القرار الصعب ، لاقدر الله ، فإن انعكاساته ستكون قاسية على حياة المواطنين ، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية .
وبدون الالتزام الصارم و المسؤول بالتدابير الصحية ، سيرتفع عدد المصابين والوفيات ، و ستصبح المستشفيات غير قادرة على تحمل هذا الوباء ، مهما كانت جهود السلطات العمومية ، وقطاع الصحة .
وبموازاة مع الإجراءات المتخذة من طرف السلطات العمومية ، أدعو كل القوى الوطنية ، للتعبئة و اليقظة ، و الانخراط في المجهود الوطني ، في مجال التوعية والتحسيس وتأطير المجتمع ، للتصدي لهذا الوباء .
وهنا ، أود التنبيه إلى أنه بدون سلوك وطني مثالي و مسؤول ، من طرف الجميع ، لا يمكن الخروج من هذا الوضع ، و لا رفع تحدي محاربة هذا الوباء .
شعبي العزيز ،
إن خطابي لك اليوم ، لا يعني المؤاخذة أو العتاب ، وإنما هي طريقة مباشرة ، للتعبير لك عن تخوفي ، من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات ، لا قدر الله ، و الرجوع إلى الحجر الصحي الشامل ، بآثاره النفسية والإجتماعية والإقتصادية .
وإننا اليوم ، ونحن نخلد ذكرى ثورة الملك والشعب ، أكثر حاجة لاستحضار قيم التضحية والتضامن والوفاء ، التي ميزتها ، لتجاوز هذا الظرف الصعب .
وإني واثق بأن المغاربة ، يستطيعون رفع هذا التحدي ، و السير على نهج أجدادهم ، في الإلتزام بروح الوطنية الحقة ، وبواجبات المواطنة الإيجابية ، لما فيه خير شعبنا وبلادنا .
والسلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته .
جماهير بريس © 2016 - جميع الحقوق محفوظة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق